​النزف الإنساني في الفلوجة يُفجّر التساؤلات والحيرة

​النزف الإنساني في الفلوجة يُفجّر التساؤلات والحيرة

الفلوجة

صحيفة البيان الاماراتية - تتناقض الروايات عن حصار الفلوجة، واستمرار نزف الدم والجوع وتدمير البنى التحتية والكثير الكثير من المآسي، في تلك المدينة الصغيرة نسبياً، والتي عرفت بكونها مدينة المساجد..

حيث يوجد بها أكثر من 500 مسجد، منها الجامع الكبير، وجامع الخلفاء وجامع أبي بكر الصديق وجامع عمر بن الخطاب وجامع عثمان بن عفان وجامع علي بن أبي طالب، وجوامع أخرى كثيرة، ومع ذلك لم يشفع لها هذا الإرث، في ما تعانيه الآن، من تداول الحصار.

وتبادل الاتهامات حول المسؤول عنه، على الرغم من الإعلان عنه رسمياً في أبريل 2014، بعد فشل محاولات اقتحامها من قبل القوات العراقية التي بدأت مع الهجوم على ساحتي الاعتصام في الرمادي والفلوجة في 30 ديسمبر 2013، واستمر الحصار بالتفاقم حتى الآن.

ويرى العديد من المراقبين السياسيين، أن حصار الفلوجة، ليس له وقت أو تاريخ محدد، فمنذ انتهاء معارك نوفمبر 2004، تم فرض حصار متفاوت الشدة على المدينة، من خلال تضييق الدخول إليها والخروج منها، وفرض بطاقات دخول وخروج على السكان، وخضوع منافذها للتدقيق والتفتيش، وتقنين المواد الداخلة إليها والخارجة منها..

إضافة إلى الاغتيالات وعمليات الاعتقال والاختطاف التي شملت الكثير من أبنائها الذين أصبحت هذه الحالة جزءاً من حياتهم اليومية، ما يعني أن المدينة مفروض عليها حصار دائم، كونها «رمز المقاومة».

تناقض سياسي

إلا أن بعض السياسيين يروجون لفكرة أن تنظيم داعش هو الذي يفرض الحصار على الفلوجة وأهلها، لأنه يمنعهم من مغادرة مدينتهم، ما يعدّ تبريراً لا مسوّغ له سوى ادعاء رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، بأن كل من تبقوا في مدينة الفلوجة هم «داعش»، وعليه «يجب سحقهم»..

وهنا يناقض نظام الحكم نفسه، بكون التنظيم «يحاصر نفسه»، أو أن هناك نقاط عبور آمنة لمغادرة المدنيين، وهم غير موجودين في نظره، وحتى إن اعترف بوجودهم، فلا أحد يرضى بمثل ما عانى منه نازحو الأنبار ونينوى وحزام بغداد وغيرهم، فكيف يكون الأمر بالنسبة للفلوجة التي اعتبرها قائد فيلق بدر ضمن مليشيات الحشد الشعبي هادي العامري بأنها «رأس الأفعى».

التراث الإسلامي

وما يثير استغراب معظم المراقبين، المحليين والدوليين، أن يطلق أحد كبار المسؤولين العراقيين تسمية «رأس الأفعى» على مدينة عراقية أصيلة، إلا إذا كان ذلك من منطلق طائفي صرف، لأن الفلوجة بنيت قرب مدينة الأنبار التاريخية التي فتحها خالد بن الوليد عام 12 هجرية الموافق 633م، في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، وبقيت محافظة على هذا الرمز التاريخي..

وعصية على الغزاة، ومن هنا يسترجع المحللون السياسيون كيف كانت مليشيات الحشد الشعبي تجهز قواتها لضرب الفلوجة، قبل البدء بعمليات استرجاع الرمادي من داعش، بخلاف رأي قوات التحالف الدولي التي تعرف مدى صعوبة مثل هذه العملية..

لاسيما وأن القوات الحكومية بكل ما حشدته، لم توفق في اجتياز ناحية كرمة الفلوجة، طوال سنة تقريباً من انطلاق عمليات «فجر الكرمة»، كجزء من محاولات تضييق الخناق على الفلوجة التي استخدمت ضدها القوات الحكومية، ومازالت تستخدم كل أنواع الأسلحة، بما فيها البراميل المتفجرة التي تلقيها الطائرات، الأمر الذي دعا مسؤولين في الأنبار إلى مطالبة قوات التحالف بمنع الطيران العراقي من استهداف الفلوجة.

أيقونة الحرية

وبحسب أحد وجهاء الفلوجة، مكي نزال، فإن استهداف وحصار الفلوجة بدأ منذ نيسان 2004 بسبب موقفها ضد الغزو الأميركي، حيث خرجت في المدينة أول تظاهرة سلمية ضد الأميركيين الذين قتلوا المشاركين فيها بدم بارد.

ويقول نزال إن التجاهل الدولي للكلفة الإنسانية المتصاعدة لحصار الفلوجة وقصفها، سببه أنها «رمز للمقاومة لمعظم الناس في العراق، وهي أيقونة الحرية والمقاومة التي يحاول المحتل وأتباعه (شيطنة المدينة) واعتبارها مدينة إرهابية، تدفع ضريبة موقفها المقاوم، حيث يعاني سكانها الموجودون فيها القصف بينما يعاني الذين خرجوا منها العوز والإذلال».

ويرى أن كل الحكومات التي تعاقبت على السلطة في العراق، هي «حكومات مجرمي حرب بحق الفلوجة»، مشيراً إلى أن «هناك تحريضاً من جهات رسمية ومحلية وأجنبية على المدينة».

صورة سوداء

ويقول الخبير الحقوقي الدولي فادي قاضي، إن «الفلوجة تذبح بصمت». ويضيف أن هناك صمتاً وشللاً سياسياً من المجتمع الدولي إزاء ما يحدث في الفلوجة، وإن هناك صورة سوداء لخريطة اهتمامات المجتمع الدولي.

ويشير إلى أن ما يجري في الفلوجة هو إفراط في سياسات غير واضحة لدى حكومة العبادي الذي لم ينجح في اجتثاث سياسات حكومة المالكي، باستخدام البراميل المتفجرة وقصف مستشفيات المدينة، وهو ما يعد جريمة حرب.

ويضيف أن حكومة العبادي أخفقت تماماً في القيام بمسؤولية الدولة تجاه مواطنيها، مشيراً إلى أنه «لا وجود لأي فعل سياسي لا على مستوى مجلس الأمن الدولي ومجلس حقوق الإنسان أو جامعة الدول العربية في ما يخص الفلوجة».

مدينة المقاومة

يقول أحد الوجهاء العراقيين رفض كشف هويته، إنه من المعروف أن السلطات الحاكمة في العراق تطلق اسم «داعش»، أو «القاعدة»، على كل الفصائل المسلحة السنيّة التي تختلف مع التنظيمات الإرهابية، وحتى تقاتلها، وكذلك على السياسيين المعارضين للحكومة وللعملية السياسية والنهج الطائفي، ما يعني أن الفلوجة «مدينة المقاومة»، ليست «قاعدية» أو «داعشية»، لكي يفرض عليها مثل هذا الحصار القاسي والقتل اليومي.

6 حالات وفاة جديدة بينهم أطفال نتيجة الحصار والقصف

توفي ستة مدنيين بينهم ثلاثة أطفال نتيجة الحصار والقصف الجوي على مدينة الفلوجة أمس، بالتزامن مع مقتل ثمانية من القوات العراقية في هجوم شنه «داعش» على موقع مشترك في منطقة المعامل شرق المدينة.

وقال الطبيب جمال الفلوجي في اتصال هاتفي من داخل مستشفى الفلوجة العام لوكالة الأنباء الألمانية إن مستشفى الفلوجة شهد أمس وفاة ثلاثة أطفال بسبب حالة الجفاف الذي يعانون منه منذ فترة طويلة وسوء التغذية، والجوع بسبب الحصار المفروض على المدينة.

قصف عشوائي

وأضاف أن أغلب السكان يتوافدون باستمرار على المستشفى بحثاً عن مواد طبية تقي أبناءهم من الجفاف إلا أن مستشفى الفلوجة أصبح عبارة عن بناية خالية لا علاج فيها منذ فتره طويلة.

وأوضح أن الفلوجة، مع الحصار المفروض عليها من قبل القوات الأمنية ومنع تنظيم داعش الخروج منها وقلة المواد الطبية والغذائية، شهدت أمس قصفاً عشوائياً بالمدافع والطيران الجوي العراقي ما أسفر عن مقتل ثلاثة مدنيين من عائلة واحدة. وطالب الفلوجي بضرورة التحرك وإنقاذ المدينة من خطر الجوع والقصف خاصة أنها أصبحت مدينة أشباح.


شارك الموضوع ...

كلمات دلالية ...

الفلوجة  ,