​نيويورك تايمز: تنفيذ الإصلاحات يتطلب إنهاء المحاصصة والفساد

​نيويورك تايمز: تنفيذ الإصلاحات يتطلب إنهاء المحاصصة والفساد

تظاهرة

المدى برس/ بغداد .. بحر من الأعلام العراقية محاطة بالمتظاهرين الذين يتغنّون بالنشيد الوطني ويهتفون ضد السياسيين، ويطالبون بالحياة التي يحلمون بها.

ويقول ياسر عبد الرحمن، 21 سنة حصل مؤخراً على شهادة البكالوريوس في الهندسة لكنه مازال عاطلاً عن العمل، "أود الحصول على فرصة عمل لأشارك في بناء بلدي".

اما صديقه حسين علي، الذي ترك الدراسة في الجامعة ليعيل عائلته ويعمل حاليا سائق سيارة أجرة، يقول حتى شبح التفجيرات الذي يحوم في كل مكان من هذه المدينة المحفوفة بالمخاطر لن يبعده عن ساحة التحرير "نحن نفكّر فقط بالإصلاحات، اذا أردت التغيير فعليك ان تضحّي بنفسك".

منذ خمسة أسابيع يتجمّع آلاف العراقيين – خاصةً الشباب والعلمانيين – في ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد للمطالبة بالتغيير. في البداية كانت المطالب بسيطة – تحسين الكهرباء وسط ارتفاع حرارة الصيف الحارقة – لكن القائمة توسعت وأصبحت أكثر تعقيداً لتشمل إصلاح القضاء ومحاسبة المسؤولين الفاسدين وإبعاد الدين عن السياسة، حتى أخذت الاحتجاجات تلقي بظلالها على محاربة مجموعة داعش – التي كانت الشغل الشاغل في العراق خلال العام الماضي.

جاء التغيير سريعاً، على الورق على الأقل؛ حيث أعلن رئيس الوزراء حيدر العبادي عن مجموعة إجراءات شاملة لإرضاء المتظاهرين، فدعا الى إلغاء عدة مناصب حكومية عليا، وإنهاء المحاصصة الطائفية في السياسة، وتقليص الوزارات، وحملة جديدة للقضاء على الفساد.

بعد مرور عدة أسابيع لم يتم تنفيذ سوى القليل من الإجراءات – بغض النظر عن إلغاء مناصب نواب الرئيس وبعض الوزراء – ما دعا الكثير من المتظاهرين الى القول بأنهم غير متفائلين الآن بالتغيير الحقيقي. ويقول المتظاهر علي فراس "حتى الآن لم نلاحظ أي شيء من الإصلاحات، انها مجرد حبر على ورق".

وبعيدا عن انفعالات الشارع، هناك المكائد السياسية في المنطقة الخضراء المنعزلة والمحصّنة التي يحتمي بها السياسيون والسفراء. حيث يقول المسؤولون هناك ان العبادي قد أعطى وعوداً من المستحيل ان يفي بها بسبب الطائفية المتجذرة والفساد المتفشي في النظام السياسي.

في اندفاعه للإصلاح، لم يقم العبادي باستشارة أي من الكتل السياسية التي يشعر الكثير منها بالقلق من ان العبادي يخلق لنفسه أعداء جددا من بين النخبة السياسية.

ويقول أحد النواب المقربين للعبادي، رفض ذكر اسمه كي لا يتسبب بإغضابه "يمكنه ان يصدر ما يشاء من التوجيهات، لكن من الذي سيقوم بتنفيذها؟ لكن لو نجح في القضاء على المحاصصة الطائفية والحزبية في السياسة العراقية فسيصبح بطلاً وطنياً".

ووفّرت الاحتجاجات ودعم المرجع الديني الأعلى في النجف فرصةً وغطاءً سياسياً للعبادي لمعالجة بعض المشاكل الكبرى في البلد. فمنذ خروج التظاهرات شهد العراقيون تحسّناً معتدلاً في الكهرباء فقط وليس في جوانب أخرى.

يقول سجاد جياد، المحلل العراقي الذي يقدم أحياناً المشورة للحكومة العراقية، ان "العبادي لم يغيّر أي شيء من أجل المتظاهرين. عليه ان يلبّي مطالب الجماهير، لكنه لا يستطيع الإسراع وإغضاب النخبة السياسية".

هناك أيضاً قلق من قيام قادة المليشيات ذوي العلاقة الوثيقة بإيران باستغلال غضب الشارع لكسب المزيد من القوة، حيث ازدادت شعبية هذه المليشيات في العراق نتيجة نجاح قواتها في محاربة داعش، كما انها من أبرز منافسي العبادي في الصراع الشيعي من أجل السلطة، اذ ان الاحتجاجات شارك فيها العديد من الشباب المنتمين للمليشيات.

وتقول مجموعة الأزمات الدولية، في أحد تقاريرها مؤخراً، انه "اذا أثبتت الإصلاحات الحالية أنها مجرد عملية تجميل، فهذا يعني نهاية الحياة السياسية لرئيس الوزراء حيدر العبادي ونسبة كبيرة من الطبقة السياسية، وسيركب قادة المليشيات موجة الغضب الشعبي والتفوق العسكري وصولاً الى السلطة".

ويواصل التقرير قائلا "هناك الكثير من السوابق في تاريخ العراق؛ فقبل عام فقط استغلت مجموعة داعش غضب السنّة وقامت بهجوم عسكري خاطف لفرض حكم قمعي في أجزاء كبيرة من البلاد".

ومع هذا ولأول مرة منذ زمن طويل تسنح الفرصة للعراقيين للتعبير عن مظالمهم. وبموجب أوامر صادرة للتعامل مع التجمعات بأسلوب ليّن، قامت قوات الأمن العراقية بحماية المتظاهرين بدلاً من إطلاق النار عليهم كما حصل في 2011 عندما سعى العراقيون الى انتفاضتهم بعد الربيع العربي في مصر وتونس.

وقال ملازم أول شرطة علي ثامر، خلال تأدية واجبه في ساحة التحرير الجمعة الماضية "أخيراً بدأ الشعب بالتعبير عن رأيه، انها حقّاً تجربة عظيمة يمارسها الشعب. القوات الأمنية تقف الى جانب المتظاهرين ونحن نوفّر الحماية لهم. لقد تعب المواطنون، فهناك نقص في الخدمات خاصةً الكهرباء، وهناك فساد، والحكومة هشة. لكن على المتظاهرين ان يصبروا فالعبادي ليس علي بابا يمتلك مصباحاً سحريّاً، انه يحتاج الى بعض الوقت".

على مستوى أكبر، فان هذه التظاهرات تمثّل تصفية حساب شعبية مع الإرث الأميركي ومع النظام السياسي الفاسد المختل الجاثم في مكانه منذ الاجتياح الأميركي للبلاد عام 2003. بالنسبة للكثير من المتظاهرين الشباب، يعتبر الاجتياح هو الحدث الأكثر شراسةً في حياتهم.

ويقول عبد الرحمن "عندما بدأت القنابل الأميركية تتساقط كان الأمر مرعباً، لكن والدي كان يقول انه أمر جيد. كنا نتصوّر اننا سنتحرر. لقد أسقطوا صدام وجاءوا بمئة شخص مثل صدام". ويقول صديقه علي بانفعال "هذا الاحتجاج مصمم لهدم ما بناه الأميركان".

ويقول الكثير من المتظاهرين انهم يريدون رؤية كبار المسؤولين مدانين بالفساد، وهذا ينعكس في الهتافات المتكررة في ساحة التحرير التي تطالب بمحاكمة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي الذي تم استبداله الصيف الماضي وسط دعوات دولية بقائد أكثر شمولية في وجه هجمات مجموعة داعش التي تسيطر الآن على ما يقرب من ثلث مساحة البلد.

ويقول المتظاهر عبود – 65 سنة – "المشكلة هي ان السياسيين غير صالحين، أنا أرغب بمغادرة العراق الى أوروبا لكني أفتقر الى المال. لقد سرقوا أموالنا، ولم يعطوا الشعب حصته من النفط".


شارك الموضوع ...

كلمات دلالية ...

لا يوجد وسوم لهذا الموضوع.