​واشنطن: استعادة الرمادي انتصار عسكري بارز لا يكتمل بدون بيئة سياسية شاملة في العراق

​واشنطن: استعادة الرمادي انتصار عسكري بارز لا يكتمل بدون بيئة سياسية شاملة في العراق

البيت الابيض

واشنطن ـ «القدس العربي» : ينظر قادة الجيش الأمريكي إلى الخسائر الأخيرة التي تكبدها تنظيم الدولة الإسلامية في الرمادي كدليل على ان الجماعة فقدت بالفعل زخمها السابق. إذ قال الجنرال لويد أوستن قائد القيادة المركزية الأمريكية ان استعادة الرمادي انجاز عملي مهم للغاية يدل بوضوح على ان العدو فقد الزخم لانه تنازل عن الأرض إلى جانب الخسائر الأخرى عبر العراق وسوريا بما في ذلك تكريت وبيجي والأهوار وسد تشرين وسنجار. في حين وصف وزير الدفاع أشتون كارتر المعركة بانها خطوة مهمة لهزيمة التنظيم، كما قال وزير الخارجية جون كيري ان العدو تكبد هزيمة قاسية. وجاءت السيطرة على المدينة التاريخية بعد جهد طويل امتد إلى 6 أشهر سابقة على الأقل ولكنها كما أضاف اوستن خطوة كبيرة للولايات المتحدة والقوات العراقية ودول التحالف لمواصلة دحر المكاسب التي حققتها الجماعة، كما جاء هذا الانتصار وسط محاولات محمومة من البيت الأبيض لدحض الفكرة القائلة بفشل أو ضعف استراتيجية الرئيس الأمريكي باراك أوباما لدحر الجماعة الإرهابية، إذ تعد الرمادي من أكبر المدن التي استولت عليها الجماعة خلال عام 2015. ومن غير الواضح ما إذا كانت القوات العراقية ستتجه إلى الموصل بعد استعادة الرمادي إذ تهدف بغداد لاستعادة المدينة منذ فترة طويلة علما بان التنظيم ما زال يسيطر على عدة مدن عراقية في محافظة الأنبار مثل الفلوجة والقائم والرطبة والحبانية، في حين تعهد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بتخليص بلاده من «الدولة الإسلامية» في عام 2016 مؤكدا ان القوات العراقية قادمة لتحرير الموصل لتحقيق ضربة قاضية للتنظيم. وشنت دول التحالف أكثر من 630 غارة جوية في معركة الرمادي كما ساند الآلاف من قوات التحالف القوات العراقية من خلال التدريب والمعدات وتقديم المشورة والمساعدة بما في ذلك معدات هندسية متخصصة لمسح السيارات المفخخة.

الأوساط السياسية والإعلامية الأمريكية احتفلت بنتائج معركة الرمادي كانتصار اقليمي كبير وإشارة واضحة على كسر وهم ان قيام دولة الخلافة أمر لا مفر منه وان الإرهاب على حد تعبير صحيفة «كريسشان ساينس مونيتور» سيخطف القلوب والعقول، هذا الجو الاحتفالي لم يغفل في الوقت نفسه حقيقة ان التقدم السريع للجماعة على أرض الواقع كان بسبب الفراغ الأخلاقي والسياسي في سوريا والعراق، حيث رفض زعماء المنطقة الاستماع إلى الأصوات الديمقراطية أو وجهات نظر الأقليات الدينية والعرقية الساخطة وخاصة الأقلية السنية في العراق، ومن غير الواضح ما إذا كان انتصار الرمادي سيكون مؤشرا على الشفاء من الانقسامات القديمة إلا ان العبادي أشار إلى تعاون أصحاب الانتماءات المختلفة بين القوات العراقية «سنة وشيعة وأكراد» مؤكدا على قيام دوريات سنية بالتحرك في المدينة للتخفيف من مخاوف اصرار الميليشيات الشيعية على الاضرار بالسكان. هنالك اجماع في واشنطن على عدم فعالية الجيش العراقي إلا إذا شعر جميع أبناء الشعب العراقي بانهم موضع ترحيب في بلادهم لان أهم شرط للديمقراطية الدستورية هو تحقيق المساواة، وكما هو معروف فان السنة إضافة إلى العديد من الأقليات يشكون من تمييز النخبة الحاكمة في بغداد ذات الأغلبية الشيعية ضدهم. والعبادي بدوره لم يحقق سوى نجاحات محدودة في تحقيق هذا الهدف الرئيسي وبالتالي فان انتصار الرمادي أو أي انتصار عسكري لاحق لن يحقق السلام والاستقرار في البلاد دون توفير بيئة سياسية علمانية وشاملة، وبالتاكيد فان الولايات المتحدة أو القوى الخارجية الأخرى مثل إيران لن تقوم بذلك ولا تستطيع فعل هذا الأمر ولكن يمكن لزعماء العراق فقط فعل ذلك.

وقد حرصت إدارة أوباما على تسليط الضوء على نجاح معركة الرمادي في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية عبر الكثير من التصريحات والتعليقات الاحتفالية في حين انصب تركيز قادة العسكر على ضرورة التحرك بسرعة في الحملة للاستفادة من هذا النجاح والقيام بزخم عسكري آخر لدحر الجماعة. والخطوة التالية كما يتضح من تصريحات زعماء وزارة الدفاع الأمريكية هي تحويل الرمادي إلى معقل سني قتالي ضد التنظيم وقوة قابضة لمقاتلي العشائر السنية استعدادا للمرحلة التالية في الحرب التي تتضمن استعادة مدن أخرى في الأنبار من قبضة تنظيم الدولة والتحول أخيرا إلى الموصل. ولكن الامور ليست بهذه البساطة، إذ اعترف أكثر من مسؤول في البنتاغون ان هذه الخطة قد تستغرق عدة أشهر بل سنوات، والمهم الآن، وفقا لقول الكولونيل ستيف وارن المتحدث باسم الجيش الأمريكي، هو قطع امدادات التنظيم في العراق وسوريا وخنق الموصل عبر المزيد من الضربات الجوية وتدمير مداخل الأنفاق والمواقع القتالية.

وبعيدا عن اللغة الاحتفالية لاستعادة الرمادي فان استعادة الفلوجة أو الموصل تبدو عملية أصعب بكثير حيث تتمتع هذه المدن بكثافة سكانية عالية وللتنظيم تاريخ طويل في المدينتين، ولكن القوات العراقية بدأت بالاقتراب من الفلوجة من عدة اتجاهات في محاولة لتطويق المدينة وعزل التنظيم بالطريقة نفسها التي حصلت في الرمادي. وفي الواقع، استغرق الأمر أكثر من 6 اشهر لاستعادة الرمادي من سيطرة التنظيم مما يشير إلى حالة من عدم التفاؤل لاستعادة المدن الأخرى في فترة زمنية قصيرة. في نهاية المطاف، الولايات المتحدة والقوات العراقية كانت بحاجة ملحة لتحقيق انتصار تكتيكي في الحرب ضد التنظيم وهو ما تحقق بالفعل في الرمادي، ولكن المعارك المقبلة ستكون أكثر صعوبة لأن الأهمية الاستراتيجية للمدن الأخرى للتنظيم مثل الفلوجة والموصل تبدو أكثر الحاحا، والأهم من ذلك كله، لا جدوى من تحقيق انتصارات عسكرية إذا لم تبدأ عملية سياسية شاملة في العراق تبرهن على عدم طائفية حكومة بغداد.


شارك الموضوع ...

كلمات دلالية ...

الجنرال لويد أوستن  ,   استعادة الرمادي  ,   العراق  ,   جون كيري  ,