​كيف يمكن للانتصار على “تنظيم الدولة” في الفلوجة أن يؤذي العراق؟

​كيف يمكن للانتصار على “تنظيم الدولة” في الفلوجة أن يؤذي العراق؟

الجيش العراقي

مركز الروابط - يمكن للعراق الآن تجاوز أزمة “تنظيم الدولة”، لكن سيخلق هذا خطرًا آخر وهو دولة منقسمة. انطلق الجيش العراقي وحلفاؤه العسكريون في حرب طاحنة على أطراف مدينة الفلوجة؛ بهدف استعادتها من قبضة “تنظيم الدولة”، يعتبر هذا الهجوم مرحلة حاسمة في معركة الجيش العراقي ضد “تنظيم الدولة” الذي سيطر على أجزاء كبيرة من البلاد في منتصف 2014.

بمساعدة القوات الجوية الأمريكية، يواجه الجيش العراقي والمليشيات ذات الأغلبية الشيعية والمعروفة بوحدات الحشد الشعبي مقاومة شرسة من قبل تنظيم الدولة في الفلوجة. كما أطلق هذا التنظيم هجومًا مضادًا يوم الثلاثاء بـ6 سيارات مفخخة، وهي خطة يعتمدها مقاتلو التنظيم في كامل العراق عندما يوضعون تحت الضغط من قبل القوات محاربة لهم.

مع تقدم المعركة، يقدر أن 50 ألف مدني عالق الآن في الفلوجة، التي تبعد تقريبًا 40 ميلًا عن العاصمة بغداد. وقد وضع وجود المدنين في مجال الحرب تحديًا جديدًا على القوات الحكومية، خاصة مع حشدها القوات لتحرير المدينة. يقول المحللون إنه بعد خسارة التنظيم العديد المناطق في سوريا والعراق فإن القوات المحاصرة للمدينة ستزيد من ضحايا الحرب من المدنيين في قتالها لتنظيم الدولة.

يقول نائب رئيس معهد واشنطن للبحوث السياسة في الشرق الأوسط، بول سالم: “ما أعتقده مخيف جدًا؛ هناك توجه نحو إستراتيجية القضاء على أكبر عدد ممكن من المدنيين كنوع من الانتقام، لا أعتقد أنهم يتوقعون النصر، ولكن إن تمكنوا من إصابة عشرات الآلاف من المدنيين، سيجعل هذا العديد من الناس تخمن كثيرًا قبل أن تتحرك لاستعادة الموصل أو مناطق أخرى”.

تقع الموصل في شمال العراق، وهي أكبر المدن الواقعة تحت سيطرة تنظيم الدولة، وما زالت أفضل جائزة للقوات النظامية في كل الحرب ضد هذا التنظيم. أعلنت الحكومة العراقية عملية استرجاع الموصل في مارس/ آذار ولكن سارت الأمور بشكل بطيء، مع إعلان الجيش تحرير المدن الصغيرة في الجنوب واحدة تلو الأخرى.

ولأن الموصل تقع في الشمال بعيدًا عن العاصمة بغداد، ينظر إليها على أنها أقل خطرًا على العاصمة، في حين أن الفلوجة تمثل خطرًا على أمن بغداد، فسكان العاصمة يخافون من وجود الإرهابيين في المدينة المحاصرة والتي تبعد مسافة ساعة قيادة عن العاصمة.

قطعت القوات الموالية للحكومة خط الإمدادات عن الفلوجة في فبراير/ شباط ما جعل المدينة في حالة حصار وفرضت على الآلاف من المدنين العراقيين المجاعة، والآن مع بداية المعركة في المدينة، هؤلاء المدنيون أنفسهم يحاولون الهروب.

تقول العراقية الباحثة في منظمة العفو الدولية، ديانا الطحاوي: “لا يسلك الفارون الطرق الطبيعية لأنها تحت سيطرة المقاتلين أو خوفًا من قطاع الطريق، ما يجعل الكثيرين يغادرون المدينة تحت ظلمة الليل قرابة الساعة الثانية صباحًا”.

هل كان يجب على الجيش العراقي محاصرة الفلوجة؟ فقد ازدادت مهمته صعوبة؛ لأنهم سيجدون صعوبة في كسب ثقة الأقلية السنية من المسلمين العرب في العراق من المشككين في الحكومة المركزية في بغداد، منذ الغزو الأمريكي للعراق سنة 2003 وسقوط نظام صدام حسين المنتمي للطائفة السنية.

مع إعادة صياغة النظام، خسر السنة موقعهم بعد الهيمنة الاجتماعية النسبية التي تمتعوا بها في عهد صدام حسين، كما فشلت باستمرار الحكومة العراقية لاحقًا في إعادة السنة إلى المشهد السياسي. أسهم الاستياء الذي يعيشه جزء كبير من الشعب السني في تسهيل سيطرة تنظيم الدولة على مدن مثل الفلوجة والموصل سنة 2014.

خاصة أن الفلوجة كانت قاعدة الثوار ضد السلطة العراقية والأمريكية في بغداد، كما كانت معقلًا رئيسيًا للتمرد ضد الاحتلال العسكري الأمريكي بعد 2003. لم تسيطر القوات الأمريكية على المدينة إلا بعد معركة جابت منازل المدينة، قتل فيها على الأقل 95 جنديًا أمريكيًا.

كما كانت الفلوجة مركز المظاهرات السنية التي انطلقت سنة 2012 ضد الحكومة في بغداد، بدأت شرارتها بعد اعتقال الحارس الشخصي لوزير المالية السني رافي العيساوي، تجمع المتظاهرون الغاضبون ليعبروا عن رفضهم للفساد الحكومي ولتعبير عن غضبهم من التجاوزات الخطيرة باسم اجتثاث حزب “البعث”.

كما أدى فشل رئيس الوزراء، نوري المالكي، في حل أزمة مشاركة السنة في مؤسسات العراق في تغذية مشاعر الغضب والتمرد، ما جعل منهم الكثير ينضوي تحت راية تنظيم الدولة.

شكلت مشاركة وحدات مليشيا الحشد الشعبي، المدعومة من إيران وأبرز القوى الشيعية المسيطرة في الشرق الأوسط والتي شهدت نموًا كبيرًا منذ سنة 2014، في معركة الفلوجة قلق الكثيرين، بعد انهيار الجيش الحكومي العراقي أمام تمدد تنظيم الدولة في البلاد.

أرسلت إيران قائد وحدة “الحرس الثوري” الإيراني، قاسم سليماني، للمساعدة في معركة الفلوجة، وهو وجه قوي في سياسة إيران الخارجية. خلال السنوات الماضية قدم سليماني المساعدة لنظام بشار الأسد في حربه ضد المعارضة المسلحة كما أنه الآن الوجه البارز في حرب النظام العراقي ضد تنظيم الدولة.

يحذر المراقبون من أن إرسال مليشيات شيعية لمدينة الفلوجة السنية سيغذي الانقسام الطائفي. في فيديو مطول -لم يذكر التقرير المصدر- قال قائد مليشيا أبو الفضل العباس، أوس الخفاجي، بأن الفلوجة معقل الإرهابيين، وقال: “لا يوجد وطنيون في المدينة لا يوجد أناس متدينون حقًا، إنها فرصتنا لتطهير العراق عبر اجتثاث سرطان الفلوجة”.

وفي محاولة لتهدئة الأجواء الطائفية، أطلق القائد الديني الشيعي، آية الله السيستاني، نداءً للتهدئة في معركة الأسبوع الماضي، كما تموقع رئيس الوزراء، حيدر العبادي، بعيدًا عن تصريحات الخفاجي الطائفية.

على الرغم من هذه المحاولات، إلا أن الحملة الحالية لتحرير الفلوجة تمثل إعادة للخطأ نفسه الذي ارتكبته القوات الأمريكية سابقًا والحكومة العراقية لاحقًا، واللتين كسبتا الحرب على المدى القصير ولكنها وحدت القوى السنية على المدى البعيد.

يقول المحلل بمركز كارنيغي في الشرق الأوسط، بيروتريناد منصور: “هذه ليس معركة عسكرية مائة بالمائة، ما نحتاجه هو أن يتحول سكان المدينة، والذين يقدر عددهم بـ60 ألفًا، لمحاربة تنظيم الدولة”.


شارك الموضوع ...