حملة الموصل تحول المدينة إلى مقبرة لسكانها
حملة الموصل تحول المدينة إلى مقبرة لسكانها

العرب اونلاين- الموصل (العراق) - تظهر تقارير متواترة مستندة إلى شهادات ميدانية بشأن الحملة العسكرية الجارية لاستعادة القسم الغربي من مدينة الموصل العراقية من سيطرة تنظيم داعش، تحوّل الحملة إلى مجزرة مروّعة للمدنيين بفعل اتّباع القوات العراقية المدعومة من التحالف الدولي لأسلوب قتال غير مناسب لحروب المدن المكتظة بالسكان يعتمد بشكل رئيسي على كثافة النيران بما في ذلك القصف المدفعي والجوي.
وبينما ارتفعت الأصوات منادية بتغيير ذلك الأسلوب بدت القيادات العسكرية المشرفة على الحملة، مرتبكة أمام معضلة التوفيق بين تسريع وتيرة المعركة وتقليل الخسائر في صفوف السكّان.
وفيما قال المقدّم عبدالأمير المحمداوي المتحدث باسم قوات الرد السريع المشاركة في معركة الموصل لوكالة رويترز، الجمعة، إن العمليات العسكرية ستتوقّف مؤقتا قبل أن تُستأنف باعتماد أساليب جديدة تناسب أكثر القتال في الأحياء المأهولة، نقلت وكالة الأناضول من جهة مقابلة، عن الضابط بالجيش العراقي نايف الزيدي قوله إنّ إيقاف القصف الجوي لمواقع داعش في أحياء الجانب الغربي للموصل غير وارد، مضيفا أن “القوات لا يمكنها التقدم باتجاه الأحياء الخاضعة لسيطرة داعش دون التمهيد بقصف المواقع التي يتحصن فيها المسلحون”، ومشيرا إلى أنّ “إيقاف القصف يعني تكبد القوات العراقية لخسائر كبيرة”.
وأدّى القصف العشوائي للأحياء التي تجمّعت فيها أعداد كبيرة من المدنيين الذين أجبرهم تنظيم داعش على عدم المغادرة ليتّخذ منهم دروعا بشرية، إلى هدم المنازل على رؤوس سكانها، حيث تتحدّث الشهادات عن وجود أعداد كبيرة من الجثث التي لا تتوفّر الظروف والمعدّات اللازمة لاستخراجها ودفنها.
ويخشى عراقيون وجود دوافع سياسية وراء اللّجوء إلى الكثافة النارية لاستعادة أحياء الجانب الغربي من الموصل، بهدف اختصار وقت المعركة ضدّ داعش، وتحقيق انتصار سريع على التنظيم مطلوب من قبل الحكومة العراقية التي تواجه ضغوطا اقتصادية واجتماعية وأمنية كبيرة، وأيضا من الولايات المتّحدة التي وعدت إدارتُها الجديدة بقيادة الرئيس دونالد ترامب بهزيمة داعش والقضاء عليه.
وحقّقت العملية العسكرية المدعومة من الولايات المتحدة، والتي دخلت شهرها السادس، تقدّما ملحوظا في القسم الأيسر من المدينة الواقع شرق نهر دجلة، لكنها تعثّرت في الأسبوعين الأخيرين مع وصول القتال إلى الحي القديم في الجانب الغربي حيث تتشعّب الأزقة الضيقة وحيث يبدي مقاتلو داعش مقاومة شرسة ويستخدمون السيارات الملغومة والقناصة وقذائف المورتر ضد القوات والسكان.
وقال مصدر عسكري عراقي إن قرابة الأربعة آلاف من المدنيين قتلوا منذ بدء العمليات العسكرية في الجانب الغربي لمدينة الموصل، وتم الإبلاغ عنهم من قبل الناجين والهاربين من المدنيين، بينما أعلن مصدر في دائرة الدفاع المدني بالمدينة، الجمعة، أن المئات من العوائل بينها نساء وأطفال ومسنون ماتزال تحت الأنقاض في مناطق الموصل الجديدة والمشاهدة والعكيدات وباب الجديد والفاروق والمطاحن.
وأوضح أنه لم يتم انتشال الجثث بسبب تواجد قناصي داعش وعدم تمكن فرق الدفاع المدني وآليات بلدية الموصل من رفع الأنقاض.
وتابع إنّ معظم الأعداد المذكورة تعود إلى ضحايا سقطوا أثناء عمليات قصف طائرات التحالف الدولي والعراقي والمدفعية الثقيلة للأحياء القديمة خلال الأيام الثلاثة الماضية.
وبين أنّ معلومات وصلت إلى الدفاع المدني أشارت إلى وجود نحو 80 جثة في منطقة النبي شيت مازالت تحت الأنقاض إضافة إلى جثث أفراد من نحو 40 عائلة في منطقة وادي حجر.
وترتفع الأصوات من داخل العراق وخارجه مطالبة بوقف ما تصفه بالمجزرة. وطلب أسامة النجيفي، نائب الرئيس العراقي، الجمعة، بالتوقف الفوري عن قصف أحياء الجانب الغربي للموصل، داعيا إلى إعادة النظر في قواعد الاشتباك العسكري مع مسلحي تنظيم داعش بعد سقوط أعداد كبيرة من القتلى من المدنيين.
وقال النجيفي في بيان إنه “سبق وأن أكدنا على ضرورة تعزيز الثقة والعلاقة بين قواتنا المسلحة المشاركة بتحرير نينوى وبين المواطن الموصلي. والحفاظ على هذه العلاقة واجب وطني وأخلاقي ينبغي ألا يُخرق من قبل بعض فصائل المقاتلين الذين يستخدمون أسلحة غير مناسبة في استهداف تنظيم داعش”.
وأوضح أن “الأسلحة ذات التأثير الممتد كالمدافع والصواريخ تسبب أضرارا بالغة يعاني منها مواطنونا في الموصل أكثر من مجرمي داعش فضلا عن تدميرها للبنى التحتية”، مؤكدا أن “الأمور قد تفاقمت فاستهداف مناطق مدنية دون التثبت من وضعها ألحق خسائر كبيرة في صفوف المدنيين الأبرياء”.
وأضاف أن “جثث المواطنين التي مازالت تحت أنقاض بيوتهم تعطي صورة صادمة لإخفاق أجهزة الدولة وفشلها في مد يد العون لإنقاذ الأبرياء وانتشال الجثث التي دمرت الطائرات والمدفعية والصواريخ بيوتهم على رؤوسهم”.
والنجيفي من أبناء محافظة نينوى حيث تجري المعركة الفاصلة ضد داعش، وهو بدوره موضع غضب سكان المحافظة الذين يتهمونه مع باقي السياسيين السنّة بالعمل على تأمين مصالحهم الشخصية والبحث عن دور في العملية السياسية التي تقودها أحزاب شيعية على حساب الجمهور الذي يدّعي هؤلاء السياسيون تمثيله.