​موجة انتقام تخيم على الموصل في ختام حقبة حرب داعش الدامية

​موجة انتقام تخيم على الموصل في ختام حقبة حرب داعش الدامية

الموصل

العرب اونلاين - الموصل (العراق) - تترافق آخر العمليات العسكرية في مدينة الموصل بشمال العراق، بموجة خوف من عمليات انتقام واسعة النطاق قد تطال الآلاف من الأشخاص وعوائلهم متّهمين بأنّ لهم صلة ما بتنظيم داعش الذي احتلّ المدينة منذ صيف سنة 2014 ونكّل بأهلها وأغرقها في حرب ضروس أوقعت الآلاف من القتلى والجرحى، ودمّرت أغلب البنى التحتية والممتلكات الخاصّة والعامّة.

ولم تسلم مختلف حلقات الحرب الدائرة ضد تنظيم داعش في العراق منذ ثلاث سنوات من أعمال انتقام على أسس مختلفة شخصية وطائفية وعرقية، لكنّ الأمر في الموصل يبدو مختلفا جزئيا، حيث لن تصدر أغلب الأعمال الانتقامية، كما حدث في مدينة الفلوجة مثلا، عن عناصر شيعية مشاركة في الحرب مستهدفة سكانّا سنّة، بل توجد مؤشرات على تحفّز سكان الموصل ذاتهم للانتقام من أبناء مدينتهم المتهمين بالانتماء لداعش أو التعاون معه، فضلا عن الانتقام من عوائل المقاتلين الأجانب الذين كانوا قد اقتحموا المدينة قادمين من الأراضي السورية التي دخلوها عبر تركيا وتزوّجوا هناك وأنجبوا أطفالا من أكثر من زوجة أو “جارية” في أغلب الأحيان.

وظهرت بوادر ذلك بوضوح من خلال كتابات انتشرت مؤخّرا على جدران الكثير من المباني تشير إلى أنّها تؤوي عائلات “داعشية” وتدعو إلى الانتقام منها.

وتضمّ تلك العوائل في غالبيتها العظمى نساء وأطفالا، حيث يكون الرجال قد انفصلوا عن عوائلهم وآثروا مواصلة القتال إلى النهاية، أو حاولوا التسرّب خارج المدينة، لانعدام فرص نجاتهم في حال بقوا داخلها.

ودعت الأمم المتحدة الحكومة العراقية إلى التدخل لوقف التهجير الذي وصفته بالوشيك لكثيرين يشتبه في ارتباطهم بتنظيم داعش في مدينة الموصل.

وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة لحقوق الإنسان روبرت كولفيل، الجمعة، إن المئات من الأسر تلقت خطابات تهديد تحدد مهلة للمغادرة بموجب اتفاقات عشائرية، معتبرا أنّ ذلك يصنّف ضمن أعمال الانتقام.

وأضاف متحدّثا للصحافيين من مقر المنظمة في جنيف “ندعو الحكومة العراقية إلى التحرك لوقف مثل هذا التهجير الوشيك أو أي نوع من العقاب الجماعي وتعزيز النظام القضائي الرسمي لتقديم الجناة للعدالة”، مذكّرا بأنه لا يمكن أن تنتقل المسؤولية الجنائية لفرد من إحدى الأسر إلى شخص آخر بريء.

وقال كولفيل “تحذر تلك الخطابات الناس ليغادروا بحلول تاريخ معين وإلا سيواجهون التهجير. الكثير من هذه التهديدات نتيجة اتفاقات عشائرية تطلب رحيل أسر أعضاء داعش عن المنطقة”.

وأضاف أن التهجير يعني فقد المسكن وإمكانية الحصول على الطعام والخدمات الصحية والتعليمية. وذكّر مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان جميع الأطراف بما في ذلك التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بأن عليها السعي لحماية المدنيين.

ويخشى أهالي محافظة نينوى من أن تؤثّر أعمال الانتقام على مستقبل محافظتهم في مرحلة ما بعد داعش، وعلى مستوى الأمن فيها، وأن تشجّع على ظهور موجة تطرّف جديدة تمنع طي صفحة الحرب الدامية وتجاوزها.

ومن المؤكّد أن الحرب ستخلّف فضلا عن خسائرها البشرية والمادية، مآسي ومعضلات اجتماعية، لن يكون من السهل معالجتها دون التسلّح بقدر كبير من التفهّم والتسامح. وعلى سبيل المثال توجد الآلاف من الأرامل اللاتي تزوجن طوعا أو كرها من عناصر داعش، الأجانب والمحليين، وأنجبن منهم أطفالا لم يسجّلوا في السجلات الرسمية بحيث سيعسر إدماجهم في المجتمع وإرسالهم إلى المدارس، إذا لم توفّر لهم الحكومة حلولا استثنائية لإثبات نسبهم وتحديد هوياتهم.

وتشارف الحرب على داعش في الموصل على نهايتها، بعد أن تمكّنت القوات العراقية المدعومة من التحالف الدولي من حصر منطقة سيطرة التنظيم في شريط ضيّق من الجزء الغربي من المدينة.

وهاجمت القوات الحكومية، الجمعة، المعقل المتبقي للتنظيم في المدينة القديمة بعد يوم من سيطرة تلك القوات على موقع جامع النوري الذي كان داعش قد أعلن من على منبره ما سمّاه “دولة الخلافة”.

وفر العشرات من المدنيين في اتجاه القوات العراقية ومعظمهم من النساء والأطفال وأصابت نيران المتشددين بعضهم بينما عانوا من العطش والتعب.

وقال قادة جهاز مكافحة الإرهاب بالمدينة إن المعارك القادمة ستكون صعبة لأن معظم المتشددين أجانب ويتوقع أن يحاربوا حتى الموت. وهم يختبئون بين المدنيين ويستخدمونهم كدروع بشرية.

وقال اللواء معن السعدي من جهاز مكافحة الإرهاب إن السيطرة على معقل المتشددين المطل على نهر دجلة ويدافع عنه نحو 200 مقاتل ستستغرق ما بين 4 و5 أيام من القتال.

وقال بعض من استطاعوا الهرب إنّ الموقع الذي يسيطر عليه المتشددون عرضه عدة مئات من الأمتار وإن عشرات الآلاف من المدنيين محاصرون هناك في ظروف سيئة.

وتدفق من فروا، الجمعة، عبر الأزقة قرب جامع النوري الكبير الذي فجره مقاتلو داعش قبل نحو أسبوع.

وبحسب وزير الهجرة والمهجرين العراقي جاسم محمد الجاف، فقد تجاوز عدد النازحين من الموصل والمناطق المحيطة بها 900 ألف شخص منذ انطلاق الحملة العسكرية لاستعادة المدينة من سيطرة تنظيم داعش في أكتوبر الماضي.

ولا يعني نجاح سكّان الموصل في مغادرتها، بالضرورة، نهاية معاناتهم ولا تحقيق الأمان لهم ولأطفالهم، حيث سيمرّون حتما بنقاط تفتيش توصف بـ”البدائية” لانعدام وسائل التدقيق الأمني العصرية فيها وعدم احترافية القائمين عليها، وذلك للتثبّت من عدم انتمائهم لتنظيم داعش، ولمنع تسرّب مقاتلي التنظيم ضمن الأهالي الفارّين من الحرب.

ولا تستبعد منظمات حقوقية أن تتدخّل الاعتبارات الطائفية والعرقية في عمل مراكز التدقيق تلك لتغدو عملية الفرز وسيلة للانتقام وتصفية الحسابات بين طوائف العراق ومكوناته القومية.


شارك الموضوع ...

كلمات دلالية ...

لا يوجد وسوم لهذا الموضوع.