الولايات المتحدة تتبنى فكرة اتفاقيات السلام المحلية بين مكونات العراق الطائفية والقومية
الولايات المتحدة تتبنى فكرة اتفاقيات السلام المحلية بين مكونات العراق الطائفية والقومية
واشنطن ـ «القدس العربي»: تحاول «مستودعات التفكير» ومراكز الأبحاث الأمريكية توفير استنتاجات قد تساعد الإدارة الأمريكية على تحقيق نوع من الاستقرار في العراق بعد هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» وطردها نهائياً من الموصل. وستواجه منطقة الموصل ومناطق واسعة من العراق في المستقبل القريب تهديداً للصراعات الطائفية القديمة التي ستدخل البلاد في جولة أخرى من العنف وسفك الدماء بعد انتهاء قتال القوات العسكرية العراقية في المدينة لانهاء آخر تنظيم إقليمي للدولة الإسلامية في العراق. الولايات المتحدة وفقاً للعديد من المحللين الأمريكيين بحاجة ماسة إلى استراتيجية لتأمين المكاسب العسكرية الكبيرة ضد «داعش» ومنع دورات العنف الجديدة التي من شأنها ان تزيد من زعزعة الاستقرار في العراق، وربما تؤدي إلى جيل جديد من «داعش» وبالتأكيد لا يريد أي أحد الانخراط في هذه المعارك للمرة الثالثة. والأخبار السارة هنا بالنسبة لواشنطن هي ان استراتيجية ما بعد تنظيم «الدولة الإسلامية» قد لا تكون مكلفة وهي ليست في حاجة إلى قيادة مباشرة من القوات الأمريكية، فالاستقرار النسبي في المحمودية، وما شابه ذلك من نجاحات سابقة قامت بها فرق السلام العراقية حول مدينة تكريت ومناطق أخرى قد يكون نموذجا لنجاحات لاحقة.
وفي الواقع هناك اعتقاد بين العديد من المحللين ان العراقيين يمكنهم حل صراعاتهم بانفسهم على المستوى المحلي مع بعض الدعم، اضافة إلى قدرتهم على الصمود أمام الصراعات التي تغذيها الانقسامات الوطنية والإقليمية. وتستغرق هذه الاتفاقيات المحلية شهوراً من الوساطات الشاقة من قبل جماعات المجتمع المحلي وسلطات المصالحة العراقية وهي تتطلب استمرارية في الحوار، وهي ليست حلا سحريا، وخاصة في النسيج المعقد للطوائف العرقية والدينية المتداخلة (عرب، أكراد وتركمان، سنة وشيعة ومسيحيون وإيزيديون) وبدون المصالحة بين العراقيين ستظل جميع الاستثمارات السياسية والعسكرية والاقتصادية ضعيفة أمام الصراعات المستقبلية المحتملة.
وبالنسبة للولايات المتحدة، كما قال العديد من المحللين، بمن فيهم نانسي لندبيرغ، مديرة معهد السلام الأمريكي، فإن تعزيز هذه النتيجة لا يتطلب زيادة في موارد باهظة الثمن بل سياسة متسقة تتمثل في استثمار دولي فعال من حيث التكلفة لمساعدة العراقيين على بناء السلام. ويؤكد الاستقرار النسبي المستمر في منطقة المحمودية في البلاد التي مزقتها الحرب فعالية التكلفة في مساعدة السكان المحليين على التفاوض بشأن سلامتهم، وبعد توقيع 31 من شيوخ القبائل اتفاق سلام قبل 10 سنوات، تمكن 3500 جندي من الفرقة الجبلية العاشرة في الجيش الأمريكي من مغادرة البلاد لتحل محلهم قوة متابعة قوامها 650 جنديا فقط، أي بنسبة تخفيض تصل إلى 80 في المئة في عدد القوات المطلوبة وتوفير في التكاليف قدره 150 مليون دولار في الشهر، بينما لم تتجـــاوز تكلفة اتفاق السلام أكثر من 1.5 مليون دولار.
ومع اقتراب القتال في الموصل من النهاية، يمكن مشاهدة جثث العديد من المقاتلين الذين يشتبه بأنهم من عناصر تنظيم «الدولة» في الشوارع أمام الجمهور، بينما تم ابلاغ عائلات القتلى بأنه يجب عليهم مغادرة المدينة ما أثار مخاوف أمريكية غير رسمية من تصاعد عمليات القتل خارج نطاق القضاء والبدء في عقوبة جماعية لمجتمع باكمله كمثال آخر على عدالة المنتصر في العراق. وهناك تحذيرات دائمة من منظمات ومراكز أبحاث أمريكية وجماعات حقوق الإنسان من رؤية سياسة في العراق تقوم على حصانة الإفلات من العقاب، الأمر الذي سيدمر أي فرصة لسلام دائم في البلاد. كما ان التركيز على التجاوزات التي ارتكبتها جماعة الدولة تتناقض مع هدف العراق بتمكين عملية مصالحة بين المجموعات الإثنية لتشكيل بلد مستقر.
ومن الواضح ان إدارة ترامب لا تملك استراتيجية واضحة للعراق لفترة ما بعد تنظيم «الدولة الإسلامية» مما قد يساعد على انتشار الفوضى في المنطقة إذا أصرت الأطراف المتنوعة على عدم التصالح مما أدى إلى ارسال تحذيرات متكررة من مستوعات التفكير الأمريكية والعديد من السياسيين والمشرعين إلى ضرورة اعداد خطة أمريكية لمواجهة الفوضى المحتملة الجديدة في الشرق الأوسط. ولكن الأهم من ذلك كله، طالب كل صناع السياسة في واشنطن بضرورة التحدث مع بغداد الاتجاهات التي يمكن متابعتها لتحقيق الاستقرار والعدالة وإتاحة المجال أمام المجتمعات المتضررة لتشكيل سياسات.
لا يوجد وسوم لهذا الموضوع.