​تداعيات الأوضاع الخطيرة في العراق بعد قرارات العبادي    بقلم: سرمد الركابي

​تداعيات الأوضاع الخطيرة في العراق بعد قرارات العبادي    بقلم: سرمد الركابي

صوت العراق

 12-08-2015 | (صوت العراق)

الخطوات المتسرعة وغيرالمدروسة، التي أقدم عليها العبادي بغياب الشركاء السياسيين وتجاوزا لتوافقاته معهم سابق انذار، تمثل تعديا على الدستور وخروجا على كل السياقات المتعارف عليها في المفهوم السياسي منذ ان بدأت العملية السياسية قبل أكثر من عشر سنوات، وارغام البرلمان على عرضها والموافقة عليها بسلة واحدة ودونما مناقشات بشأن جدواها، وبهذه الطريقة الاستعراضية التي جرت يوم الثلاثاء الحادي عشر من آب 2015، تعد تهربا من مسؤولية الاستجابة لمطالب المتظاهرين،ويسعى العبادي من وراء تلك القرارات الى تهدئة الشارع ومحاولة إمتصاص غضبه بأية طريقة، وهي لابد وان تترك تأثيرات خطيرة على مستقبل العراق في الايام القليلة المقبلة يمكن إجمالها بما يلي :

* ان هدف العبادي الأساس من وراء ابعاد نواب رئيس الجمهورية والوزراء هو التخلص من النقمة على المالكي وبهاء الاعرجي،كونهما اكثر المستهدفين من الغضب الجماهيري في التظاهرات الاخيرة، وقد أراد التخلص منهم تحت اطار الغاء مناصب نواب رئاستي الجمهورية والوزراء، لأن استهداف المالكي والأعرجي لوحدهما من وجهة نظره، يشكل احراجا له امام الاحزاب الشيعية واراد من اتخاذ قرار جماعي ضد نواب رئيسي الجمهورية والوزراء القاء تبعات الازمة على الشركاء جميعا، مستغلا حالة السخط الشعبي العام وضغط التظاهرات لتحويل الانظار لصالحه والاستيلاء على السلطة بمفرده، ظنا منه ان الشارع العراقي يؤيد خطوات كهذه، وقاد (عملية انقلاب ) بهذه الطريقة المربكة.

* ان حزب الدعوة الاسلامية سيكون الخاسر الاكبر لمستقبله السياسي عموما في هذه المواجهة، وستعد اكبر خسارة باهضة لهذا الحزب تكبدها طوال تاريخه وخسر سمعته السياسية بسبب سياسات قادته الذين رافقوا احتلال العراق ، بدءا من الجعفري عندما تولى الحكم عام 2006 ، وحتى فترة تولي المالكي لولايتين، واخرها عام 2014 وتولي العبادي المسؤولية قبل عام ، وسيتحمل حزب الدعوة وقادته وبخاصة العبادي كل مايحل بالعراق من ازمات وكوارث لاتحمد عقباها.

* ان ضربه للشركاء وتخليه عنهم بهذه الطريقة والتهم الموجهة اليه من قادة كتل سياسية بضمنهم المالكي الذي وجه أقسى الاتهامات للعبادي بسبب قراراته المتفردة الاخيرة يعد من وجهة نظرهم تجاوزا خطيرا على الدستور ، وانهت كذلك تلك القرارات مرحلة التوافقات السياسية التي كان العبادي احد نتائجها، ولم تعد هناك اية ثقة من شركائه السابقين بحكومته الحالية المعرضة للتضييق عليها في غضون أيام، وهو ما يعد من وجهة نظرهم كذلك ( انقلابا ) خطيرا نسف كل الدستور والاتفاقات السياسية بحجة تلبية مطالب المتظاهرين.

* ان قرارات العبادي اصلا لم تستجب لمطالب المتظاهرين ولن تؤدي الى توفير الكهرباء أو تحسين الخدمات والوظائف بسبب الظرف المالي العصيب ، ولا حتى تقديم الفاسدين الكبار الى المحاكم لان المفسدين لهم طرقهم الخاصة في الافلات من العقاب مستقبلا، وان الشعب العراقي سوف لن يرى ايا من مطالبه قد تم تحقيقها في وقت قريب ما تعود النقمة الشعبية مرة اخرى لتطيح بالعبادي عاجلا ام اجلا، لأن العبادي حول مسار المطالب من النقمة على مجلس النواب والفاسدين في الحكومة وكما تم رفعه من شعارات ومطالب الى اقصاء شركاء أساسيين دعموه اصلا عند مجيئه الى سدة الحكم، وهم من كانوا ضحاياه هذه المرة.

* ان الخطر الاكبر الذي سيواجهه العبادي سيكون من نفس مكونه الشيعي وقياداته التي تضررت وبخاصة المالكي الذي لن يغفر للعبادي هذه المرة موقفه الانقلابي حين تم ازاحته من اخر منصب كان يحلم بأن يكون رصيده في المواجهة مع متهم كان الجمهور الناقم يطالب بمحاكمته، وكان منصب نائب رئيس الجمهورية حماية شرفية له من تعرضه للمحاسبة ومن تقديمه الى محاكم قد تقوده الى الاعدام، ولن يسكت الموالون من جماعة الميليشيات المساندة له من العصائب وحزب الله وانصار وقيادات من حزب الدعوة والاهم من ذلك كله حليفه هادي العامري وجماعة بدر التي لها ثقل اساسي وتم تجاوزهم كليا، وهم بمقدورهم مع العصائب وحزب الله وجماعات اخرى شيعية ان يقلبوا الطاولة على العبادي وتؤدي صراعاتهم الى حرب شيعية شيعية، سيكون العراق ان دخل مرحلتها في فوضى عارمة قد تحرق الاخضر واليابس، وسيتحول البلد الى فوهة بركان، ان لم يجد العبادي (مخرجا مشرفا ) لتبعات هذه الازمة مع حلفائه ومع الشركاء الذين تضرروا من قراراته وهم انفسهم من جاءوا بالعبادي وسلموه قيادة البلد، ووقع على مواثيق وتعهدات سياسية، واذا به يقود ضدهم عملية اطاحة وانقلاب فريدة من نوعها على الدستور والعملية السياسية برمتها.

* ان السنة وقادتهم سيعدون انفسهم الان بعد قرارات العبادي الاخيرة اكبر الخاسرين من تلك القرارات حين تم تجريد كبار قياداتهم من اية سلطة وبدون الرجوع اليهم ومشاورتهم ، وهم يرون انهم لم يعد لهم حضور في المشهد السياسي، وستزيد نقمة جمهورهم على العبادي وقرارات المتسرعة، حتى وان كانت لديهم ملاحظات غير مشجعة على أداء قادتهم السياسيين الذين لن يتركوا هم ايضا للعبادي ان يعبث بمستقبلهم على هواه وسيصطفوا مع اي حليف شيعي او كردي يعيد لهم اعتبارهم الذي فقدوه ولم تحل مشكلة نازحيهم ولا مصير محافظاتهم الساقطة بيد داعش والتي قد تستغل الازمة لتقوية سيطرتها على محافظتهم مرة أخرى ، بل ربما ستحلم بالتوغل الى بغداد ان حدثت حرب شيعية شيعية إن حدثت فوضى عارمة في العاصمة بغداد، تترك لهم المجال للنفاذ للتوسع والامتداد الجغرافي الاكبر، مايقوض مستقبل الشيعة انفسهم ويعرض مستقبلهم لمخاطر جمة.

* ستستغل جماعات الفوضى والضغط ومن يتم تحريكهم من قوى سياسية شيعية او حتى علمانية للقيام بتظاهرات مضادة ، للضغط اكثر على العبادي للاستجابة لمطالب اكثر قسوة من سابقاتها، قد تعيد المالكي الى الواجهة مرة أخرى تحت دعاوى (حماية المذهب) ورفض محاولات التعدي على المرجعيات الدينية من العلمانيين وخشية من استغلال داعش لتفاقم الاوضاع، ويقدمون المالكي على انه المنقذ للبلد من الازمات وبدعم من ايران وقوى سياسية مناصرة للمالكي، وقد تؤدي الى مطالب بمداهمة واقتحام مقرات المنطقة الخضراء والقيام بإرباكات للوضع الامني وعمليات تصعيد مختلفة بضمنها تأجيج التفجيرات والاشتباكات بين انصارهم في بغداد ، لتتحول الى مناوشات يصعب السيطرة عليها ان تفاقم الوضع الأمني بشكل خطير.

* ستكون ايران والولايات المتحدة مرغمة مرة أخرى للتعامل مع مترتبات الاوضاع الخطيرة ان تفاقمت في العراق، وقد تزيح العبادي ان وجدت ان الشارع العراقي الشيعي قد وصل الى حالة من الاحتراب يصعب ايقافها، وقد يتم اعلان حالة الطواريء واقامة حكومة مؤقتة لحين التهيئة لاقامة انتخابات مبكرة في أقرب وقت.


شارك الموضوع ...

كلمات دلالية ...

لا يوجد وسوم لهذا الموضوع.