​أزمات البرلمان العراقي تخدم العبادي وتخفف الضغوط عنه

​أزمات البرلمان العراقي تخدم العبادي وتخفف الضغوط عنه

مجلس النواب

موقع العربي الجديد - استطاع رئيس الحكومة العراقيّة حيدر العبادي الاستفادة من الأزمات التي ألمّت بالبرلمان، واستثمرها لتحقيق مكاسب سياسيّة تصب بمصلحته، من خلال "الاختباء خلفها" وعرقلة استجوابه بشأن الملف الأمني، وكسب الوقت بشأن عرض تشكيلة وزارته المرتقبة، الأمر الذي أراحه من ضغوط كبيرة كانت تمارس ضده، ما جعل من أزمة البرلمان نقطة ارتكاز يستند العبادي إليها في كل أزمة يواجهها. وعلى الرغم من حصول رئيس البرلمان سليم الجبوري على أمر قضائي بالبراءة من التهم التي وُجهت ضدّه وتجاوز هذه الأزمة التي قادها وزير الدفاع خالد العبيدي، لكن ذلك لا يعني أن البرلمان العراقي تجاوز أزماته، بل على العكس فإنّه يواجه خضات مستمرّة، من خلال التأجيج المستمر من قِبل نواب "التحالف الوطني" الذين يطالبون بحل البرلمان على اعتبار أنّه فشل بأداء مهامه، بينما تستمر أزمة العبيدي بشأن سحب الثقة عنه من عدمها، فضلاً عن استمرار الخلاف بشأن عدد من القوانين.

ويقول نائب في تحالف القوى العراقيّة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "البرلمان هو صوت الشعب وهو المطالِب بحقوقه والمدافع عنها، لكنّنا نرى أن الأزمات السياسية كلها موجّهة ضده وضد رئيسه سليم الجبوري، في وقت يجب أن توجّه ضد الحكومة ورئيسها"، على اعتبارها هي السلطة التنفيذية. ويعتبر النائب، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن "هناك جهات سياسية مستفيدة من هذه الأزمات وتسعى لأن يبقى البرلمان يدور في فلكها، وأن هذه الجهات أصبحت اليوم معروفة للجميع"، مشيراً إلى أن العبادي "أكثر الأشخاص المستفيدين من هذه الأزمات، إذ استطاع من خلالها أن يتخلّص من الضغوط التي يواجهها من قِبل الشارع العراقي بشأن التغيير الوزاري، كما تخلّص طوال هذه الفترة من موضوع استجوابه بشأن الانتكاسة الأمنيّة في بغداد". ويشير إلى أنّ "العبادي لا يريد إسقاط الجبوري، بل على العكس هو داعم له، لكن في الوقت نفسه إذا استقر وضع البرلمان وبدأ يمارس عمله بشكل طبيعي، فإنه سيسعى لتنفيذ كافة مهامه الموجودة على جدول أعماله، ومنها الملفات المتعلقة بالعبادي، ما يعني أنّ استقرار البرلمان لا يصب في صالح العبادي، والعكس صحيح".

أما كتلة التيار الصدري، فتعتبر أن ما يمر به البرلمان من أزمات، عبارة عن مسرحية يستفيد منها العبادي. ويقول النائب عن الكتلة، عواد العوادي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "العبادي لن يستطيع تقديم تشكيلته الوزارية لا اليوم ولا مستقبلاً، بسبب التقاطعات السياسية المستمرّة"، معتبراً أن "الأزمات الأخيرة في البرلمان هي عبارة عن مسرحية تم تجييرها لصالح العبادي". ويوضح العوادي أن "كل تلك الأزمات تضاف إليها أزمة معركة الموصل والحشد الإعلامي لها، مدبّرة مسبقاً من قِبل العبادي، الذي استطاع من خلالها كسب الوقت، ويحاول سحب البساط من خصومه وتحقيق مصالحه الخاصة، وقد نجح بذلك"، مشيراً إلى أن "العبادي يواجه ملفات كبيرة في البرلمان، ومنها الاستجواب بشأن الكرادة ومدينة الصدر وحريق مستشفى اليرموك، وغيرها من الملفات الكبيرة التي استطاع العبادي أن يماطل فيها من خلال افتعال الأزمات السياسية". ويؤكد أن كتلته "لا تستطيع تحقيق شيء إزاء العبادي، لأنها وحدها بالساحة، واليد الواحدة لا تستطيع فعل شيء".

في المقابل، تؤكد النائبة عن التحالف الكردستاني، أشواق الجاف، أنّ "البرلمان استطاع أخيراً أن يحقق نجاحات متتالية وتطوّر بعمله بشكل لافت، من خلال إقرار القوانين وإبعادها عن المساومات والمقايضات السياسيّة". وتقول الجاف، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "نجاح البرلمان على ما يبدو لم يرق للبعض، لذا سعوا لعرقلة هذا النجاح من خلال خلق الأزمات التي تعترض طريق البرلمان"، مؤكدة أن "البرلمان قبل هذه الأزمة عمل عملاً نموذجياً، وفي حال لم تواجهه أزمات فسيكون عمله متميّزاً". أما الخبير السياسي، عامر الخالدي، فيرى أن العبادي "استطاع أن يختبئ خلف الأزمات السياسيّة التي يواجهها البرلمان، وكسب الوقت من خلالها". ويقول الخالدي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "العبادي دعم الجبوري لدى السلطة القضائية من خلال حسم قضيته الأخيرة في غضون أيام قليلة، لكنه في الوقت نفسه يؤلّب البرلمانيين ضدّه، ويدعم الأصوات المطالبة بإقالته وبحل البرلمان ويدعم الخلاف حول القوانين المهمة التي يسعى البرلمان لإقرارها".

ويعتبر الخالدي أن "نجاح البرلمان هو فشل للعبادي والعكس صحيح"، موضحاً أنه "في حال نجح البرلمان بتجاوز كافة أزماته وتوجّه نحو إقرار القوانين المهمة وإجراء الاستجوابات في القضايا الحساسة، فإن ذلك يعني أن الحكومة هي الجهة الوحيدة الفاشلة، ما يحتم على العبادي خلق أزمات مستمرة في البرلمان". وعلى حد تعبيره، فإن "العبادي يوفر الدعم اللازم لكل الجهات التي تخلق تلك الأزمات، بطريقة مباشرة وغير مباشرة، لذا فهو اليوم في فسحة من الوقت استطاع خلقها لنفسه من خلال تسليط الضوء على البرلمان".

يشار إلى أن العبادي كان قد واجه قبل أزمة البرلمان، غضباً شعبيّاً واسعاً، وتهديدات من قِبل التيّار الصدري، المطالِب بإجراء تغيير وزاري، بينما تلاشت هذه الأزمة لتنحصر الأنظار أخيراً بالبرلمان الذي لا يكاد أن ينهض من أزمة حتى يقع بأخرى. وما تزال جهات سياسية أغلبها من "التحالف الوطني"، تفتعل الأزمات داخل البرلمان، من خلال المطالبة بحله وإقالة رئيسه، على اعتبار أنه فشل في عمله، بينما تثير تلك الجهات الاعتراضات بشأن القوانين المهمة لعرقلة إقرارها، ومنها قانون العفو العام، وقانون المساءلة والعدالة (اجتثاث البعث) وغيرها من القوانين، الأمر الذي تسبب بتعثّر عمل البرلمان بشكل واضح.