​سنة العراق: مساجدنا صارت حسينيات

​سنة العراق: مساجدنا صارت حسينيات

ميليشيات شيعية

موقع ايلاف عن مجلة إيكونومست - يعاني سنة لعراق الأمرين: أمرّ من داعش، وأمرّ آخر من هيمنة إيران على بلادهم، هذه الهيمنة التي سوّغت للميليشيات الشيعية اضطهادهم وطردهم من بيوتهم بعد شيطنتهم واتهامهم بالداعشية.

بغداد: قال الشيخ صلاح الطه، إمام أحد المساجد الكبيرة في مدينة سامراء شمال بغداد، إن المدينة لم تعد مدينته وأن ميليشيات شيعية سيطرت عليها وهجَّرت سكانها السنة. وبدلًا من التكافل السابق في هذه المدينة، حيث كان السنة يستقبلون الشيعة من زوار الحضرة العسكرية بتوفير الفنادق والمطاعم وغيرها من التسهيلات، أصبحت سامراء اليوم مدينة منقسمة إلى شطرين: شطر من السنة المهجرين إلى أطرافها، وشطر داخل المدينة يسيطر عليه خليط من الميليشيات الشيعية. طُرد الشيوخ السنة الذي كانوا قيّمين على الحضرة العسكرية، ولم يعد الشباب السنة يمارسون وقفتهم التقليدية أمام أبواب المرقد المزخرفة في يوم زفافهم. ويقول عضو في مجلس مدينة سامراء: "نريد التحرر من الاحتلال العسكري".

صور آيات الله

تعكس أوضاع السنة في سامراء ما آلت إليه أحوال السنة في عموم العراق منذ الحرب الاميركية على العراق في عام 2003. فباسم اجتثاث البعث، حُل الجيش العراقي، وبجرة قلم من الحاكم المدني الاميركي بول بريمر، أصبح ضباطه عاطلين عن العمل بلا مصدر رزق لإطعام اطفالهم. وباسم اجتثاث البعث، أُقيل مئات الموظفين والمهنيين السنة من جهاز الدولة الاداري. بعدما كانت صور صدام وتماثيله تلاحق العراقيين بنظراته في أنحاء العراق، حلت محلها صور آيات الله، وليس هناك وجه سني واحد بينها، كما لاحظ مراسل مجلة إيكونومست البريطانية. وباسم مكافحة الارهاب، هجرت ميليشيات شيعية وكردية سكان مناطق سنية من أراضيهم، أولًا في الجنوب والشمال ثم في الوسط. وتضع نقاط السيطرة والتفتيش السنة المهجرين تحت حصار شيعي، وتمنع عودتهم الجماعية إلى ديارهم. ونقلت مجلة إيكونومست عن ضابط كردي قوله إن العرب "هُجروا من قراهم بتسميتهم داعش".

يتامى العراق

يعيش أصحاب الأرض الآن في خيم، ويُقدر أن 2.5 مليون سني مهجرون في بلدهم، كثير منهم في إقليم كردستان حيث يتعين عليهم تجديد إقامتهم كل أربعة أشهر وكأنهم في دولة أجنبية. وهاجر 1.5 مليون عراقي إلى الخارج. ويقول مراسل إيكونومست إن التجوال بالسيارة في العراق كزيارة مدن ميتة. وقال رئيس مجلس النواب السني سليم الجبوري إنه لا يستطيع العودة إلى بيته في محافظة ديالى لأن الميليشيات الشيعية ترفض منحه تصريحًا لدخول محافظته. أضاف أن اقارب له يرزحون في سجون سرية، وأن المسجد السني في ناحيته تحول حسينية شيعية. وقال سياسي سني في بغداد إن الأميركيين ربوا الأكراد، وايران ربت الشيعة، "لكننا نحن السنة كالأطفال المشردين، فنحن يتامى العراق". ومن رحم مظالم كهذه ولدت حركات متطرفة في السابق. لكن الجبوري يؤكد أن السنة "دفعوا ثمن التطرف"، متحدثًا عن التحديدات التي يفرضها ضعف السنة والحاجة إلى قدر أكبر من البرغماتية. وتشجع التغيرات الأخيرة من كانوا في السابق يلعنون الحكم الذي جاء بعد 2003، على التساؤل عن إمكانية التصالح معه. لكن آخرين يرون أن لا رجاء فيه بسبب فساد النظام والهيمنة الايرانية والخراب العام في البلد.

نريد إقليمًا

كان رئيس الوزراء حيدر العبادي وعد بلجم الميليشيات الشيعية، ويبدو أن قادة شيعة آخرين أدركوا خطر إبقاء الظروف التي انجبت الحالة الجهادية بلا علاج. واشار مجلس النواب أخيرًا إلى استعداده للتفكير في إصدار قوانين جديدة تتعلق باجتثاث البعث. تستعد المحافظات السنية لمرحلة ما بعد داعش بجملة مقترحات، يتمحور معظمها حول اعطائها شكلًا من اشكال الإدارة الذاتية، قد يوفر ملاذًا لملايين السنة المهجرين. يقول شيخ عراقي في عمان، يزعم مجلسه انه يمثل عشيرة من 70 الف رجل، أن أغلبية العشرية ستعود إذا انهت الحكومة اجتثاث البعث "العقابي"، كما فعل الأكراد في الشمال. وقال على سامر، شيخ قبيلة المحامدة في الفلوجة: "كنا دائمًا من أشد المدافعين عن وحدة العراق، والآن لا نريد إلا إقليمًا لنا". ويبدو أن إعادة توطين الشيخ سامر في اربيل اعطاه أنموذجًا يعتمده. وتشير إيكونومست إلى أن مسؤولين اكرادًا ذوي نزعة استقلالية يحرصون على نيل التأييد لرؤيتهم في اقامة "الولايات المتحدة العراقية"، ويركزون على أفضلية قيام ولاية سنية ترتبط بالسعودية والأردن.

دور سني أكبر

لكن هذه الفكرة تواجه معارضة واسعة، ويشجبها وطنيون عراقيون يقولون إنها منزلق إلى التقسيم وتصعيد النزاعات بين السنة والشيعة على حدود محافظاتهم. ويرى آخرون انها فكرة غير عملية اقتصاديًا، وأن إفلاس إقليم كردستان درس يبين كيف أن الدويلات لا تكون قادرة على البقاء حتى بوجود النفط الذي ليس موجودًا في المناطق السنية. في المقام الأول، السنة بلا قيادة جماعية. يقول شيخ عشيرة من الانبار: "إذا وضعتَ الموصل وتكريت والفلوجة معًا فانهم سيتقاتلون في ما بينهم على الزعامة". لكن الأنموذج الذي يحظى بقبول أوسع هو نقل مزيد من الصلاحيات إلى المحافظات. يمكن أن تشجع الانتخابات المحلية في ربيع العام المقبل السنة على المشاركة بدور أكبر في النظام السياسي. مثل هذا التغيير في خريطة العراق الادارية دونه صعوبات. فالسياسيون الشيعة يوافقون على نقل خدمات مثل الصحة والكهرباء إلى المحافظات، لكنهم يعترضون على السماح للمحافظات بتشكيل قواتها الأمنية المحلية التي يمكن أن تتحدى وجود الميليشيات. يقول قائد إحدى هذه الميليشيات لمجلة إيكونومست إن ذلك من شأنه "أن يشعل حربًا أهلية طائفية أخرى، إلى أن يتفكك العراق". لكن على الرغم من هذه التهديدات، كانت قوات التحالف الدولي تدرب 900 شرطي كل ثلاثة اشهر. وبعد تشكيل قوات شرطة كهذه في تكريت، عاد 95 في المئة من سكانها. ويتفاوض شيخ عشيرة في محافظة الانبار لنشر قوة يمكن أن تعيد فتح طريق بغداد السريع إلى الأردن بتمويل يأتي بعضه من رسوم على المركبات التي تستخدم الطريق.

ليعد الأميركيون

لكن عمل المحافظات يتطلب ثقة السنة بالمركز. ويقترح يحيى الكبيسي، المستشار في المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية في عمان، توزيع المناصب العليا بحسب الطائفة على غرار الصيغة التي اعتُمدت في لبنان بعد الحرب الأهلية التي استمرت 15 عامًا. كما يتطلب هذا عمل دول الخليج بقيادة السعودية مع العراق ومعاملته كدولة وليس كتابع لإيران ودعمها إعادة اعمار المحافظات السنية المدمرة. هناك من يرى دورًا للولايات المتحدة ايضًا، إذ يقول شيخ من الفلوجة إن الغرب سلَّم العراق إلى ايران، "ونريد من الذين انزلوا هذه المأساة علينا - أي الأميركيين والبريطانيين - أن يعودوا. فلإنقاذ الأنبار من أن تصبح جسرًا إلى البحر المتوسط، نحتاج إلى اقليم تحت حماية أميركية". يبدو طريق المصالحة وعرًا، لكن المكونات تتحاور على الأقل، ولا يقاطع بعضها البعض. يقول نائب سني من الموصل لمجلة الايكونومست: "في الماضي، كانت كل طائفة تجلس في زاوية منفصلة من مطعم البرلمان، والآن نتجادل حول موائد واحدة". يعتمد إطفاء الحرائق على مواقف قوى إقليمية خارج سيطرة العراق. لكن إستعادة السنة موقعهم في عراق سيكون منطلقًا صالحًا للشروع في تهدئة الأجواء. 


شارك الموضوع ...

كلمات دلالية ...

سنة العراق  ,   الميليشيات الشيعية  ,   المساجد  ,   حسينيات  ,