​الولايات المتحدة ومعركة الموصل: “قتال من الخلف” بانتظار المكاسب

​الولايات المتحدة ومعركة الموصل: “قتال من الخلف” بانتظار المكاسب

معركة الموصل

واشنطن ــ العربي الجديد - تكمن حساسية معركة الموصل بالنسبة لإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما في توقيت إعلان إطلاقها في "لحظة حاسمة" في مسار حرب القضاء على تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) التي تقودها الولايات المتحدة. يعود ذلك إلى أن بدء معركة استعادة الموصل وإلحاق الهزيمة بـ"داعش" في المدينة، التي أعلن منها زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي دولة الخلافة في عام 2014، تُعتبر انجازاً مهماً لأوباما قبل أشهر قليلة من مغادرته البيت الأبيض، وعلى مشارف الانتخابات الرئاسية الأميركية في 8 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

تُعدّ المعركة التي تشارك فيها القوات الأميركية من الجو وبالقصف المدفعي، ومن خلال الوحدات العسكرية الخاصة على الأرض، نموذجاً مثالياً لعقيدة "القيادة من الخلف" التي اعتمدها أوباما كاستراتيجية في محاربة "داعش" في سورية والعراق. تنصّ العقيدة على قيام القوات العراقية الحكومية و"البشمركة" و"الحشد الشعبي"، ومجموعات مسلحة من العشائر العربية، ومن الأقليات التركمانية والأيزيدية باقتحام مواقع التنظيم في الموصل، بينما يقتصر الدور الأميركي على تخصيص 200 إلى 300 مستشار لتقديم المساعدة اللوجستية والاستخبارية. ويعني هذا الأمر استبعاد فرضية وقوع خسائر بشرية في صفوف العسكريين الأميركيين. مع العلم أن في العراق حالياً أكثر من 4800 جندي أميركي، يتمحور دورهم الرئيسي في تقديم المشورة والتدريب والتجهيز للقوات العراقية، بالإضافة إلى أداء مهام لوجستية، كما يشارك أكثر من 30 ألف جندي تابع للجيش و"البشمركة".

وقد أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون)، مساء الاثنين، أن "اليوم الأول من عملية استعادة الموصل من داعش سار كما هو متوقع"، محذّرة في الوقت عينه من أن "هذا الهجوم صعب ويمكن أن يستغرق وقتاً". وفي السياق، أفاد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية، بيتر كوك، في مؤتمر صحافي، أن "اليوم الأول سار كما هو متوقع"، مضيفاً أنه "منذ منتصف النهار تمكنت القوات العراقية تقريباً من تحقيق هدفها لهذا النهار". وأوضح أن "الطائرات العراقية ستلقي سبعة ملايين منشور فوق الموصل لإبلاغ سكان المدينة بكيفية حماية أنفسهم من المعارك". وأضاف كوك أنه "في بعض الحالات يمكن أن يكون هذا من خلال البقاء في المنزل لأنه قد يكون أكثر أماناً من محاولة مغادرة المدينة". وأكد أنه "بإمكان الجنود الأميركيين الاقتراب بما فيه الكفاية من خط الجبهة، لإرشاد طائرات التحالف في شنّ غاراتها".

وتعتبر معركة الموصل، وفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز"، الأهم بالنسبة لأوباما، لا بل الأضخم من بين محطات "محاربة الإرهاب" طيلة عهدي أوباما، بين ليبيا وأفغانستان. مع التذكير بأن الوحدات الأميركية الخاصة درّبت قوات صومالية وأفريقية في الصومال لمواجهة "حركة الشباب"، أما في سورية، فيعمل 300 جندي أميركي من الوحدات الخاصة على تدريب "قوات سورية الديمقراطية" لمواجهة "داعش". وقد قدّمت الولايات المتحدة، وفقاً للصحيفة، 25 مليار دولار من المساعدات العسكرية والتدريبية على مدار عقد كامل للقوات العراقية، قبل أن "يتبخّر كل شيء" مع تقدّم داعش عراقياً. بدوره، توقع قائد الوحدات الأميركية الخاصة، الجنرال ستيفن تاونسند، أن "تخوض القوات المهاجمة معارك عنيفة في الموصل قد تستغرق أسابيع، وربما أشهراً، للقضاء على داعش وتأمين المدينة بشكل كامل".

من جهته، جزم الجنرال الأميركي المتقاعد دايفيد بترايوس بـ"حتمية الانتصار على داعش في الموصل"، مردفاً أنه "ليس هناك مجال للسؤال، مسلحو داعش في الموصل أموات لا محالة، وهم يدركون ذلك ويحاولون الفرار، لكنهم يتعرّضون للإعدامات الميدانية". أضاف بترايوس، الذي يُعتبر "مهندس الحرب على تنظيم القاعدة في العراق عام 2007"، وصاحب فكرة تأسيس "الصحوات" المشكّلة من العشائر العربية السنية في العراق، أن "التحدي الفعلي يكمن في الخطوات التي ستلي انتصار القوات العراقية والمليشيات المختلفة المشاركة في الهجوم على الموصل". وأوضح أن "نتيجة المعركة حتمية، لكن السؤال هو: ما الذي سيحصل بعد ذلك، وما هي صيغة الحكم التي تتفق عليها الأطراف العراقية المتنازعة لتحل محل داعش"؟ قبل الإشارة إلى أن "التحدي الأكبر هو تأليف حكومة تمثل كل الأطراف العراقية المتنازعة". ولفت إلى أنه "في حال فشل الأطراف المعنية في التوصل إلى تفاهم لما بعد استعادة الموصل، فإن ذلك يبشر بولادة الدولة الاسلامية رقم 3 (بعد القاعدة وداعش)".

وقد سبقت "نيويورك تايمز" كلام بترايوس قبل أسبوعين، باتهامها أوباما بأنه "يرتكب الخطأ نفسه الذي ارتكبه سلفه الرئيس السابق جورج دبليو بوش، عندما أطاح بنظام صدام حسين عام 2003 من دون وضع خطة أو صيغة سياسية بديلة للحكم في العراق، لمرحلة ما بعد الحرب". وأشارت الصحيفة في حينه، إلى أن "معركة الموصل ستكشف التباينات الطائفية والعرقية الحادة بين الأطراف المشاركة في الهجوم على المدينة الثانية في العراق، وعمق الاختلافات بينها". ولفتت الصحيفة إلى أن "رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، أعلن قبل بدء المعركة، أن العلم العراقي وحده سيرفع في الموصل، فيما كانت الأعلام الكردية وحدها المرفوعة فوق آليات المليشيات الكردية المشاركة في الهجوم، بينما رفعت مليشيا الحشد الشعبي الشيعية صور مرشد الجمهورية الايرانية علي خامنئي".

الواضح أن الحسابات الأميركية في معركة الموصل تقتصر على الأهداف المؤقتة، وهي لا تبحث عن إجابات استراتيجية حول ما سيكون عليه الوضع في الموصل والعراق عموماً، بعد طرد "داعش"، على الرغم من قناعتها بأن الخلافات السنية الشيعية في العراق والمنطقة، وتضارب المصالح الإقليمية الإيرانية والتركية والكردية والعربية، قد تنفجر في الموصل بعد هزيمة "داعش" أو انتقاله إلى سورية.

في المقابل، فإن السيناريو المطروح على المدى المنظور لحرب الموصل يمكن استثماره سياسياً في الانتخابات الأميركية المقبلة لصالح مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون، وكذلك في تأمين "خروج آمن" لأوباما من البيت الأبيض. ومرد ذلك إلى أن القضاء على "داعش" في الموصل وانحسار مناطق سيطرته في العراق، كفيل بإبطال الانتقادات الجمهورية لاستراتيجية أوباما وكلينتون في العراق وسورية، خصوصاً إذا تحقق هذا الإنجاز، من دون وقوع خسائر بشرية للجيش الأميركي.

من جهة ثانية، فإن معركة الموصل والقيادة الأميركية لها، يمكن أن تحدّ من مطالبة إدارة أوباما بالقيام بخطوات عسكرية فورية، لمواجهة العدوان الروسي في سورية ووقف المجازر التي يرتكبها نظام الرئيس بشار الأسد وحلفائه الروس والايرانيين في مدينة حلب. كذلك فإن نجاح المعركة سيتيح إعادة خلط الأوراق وفرض معادلة عسكرية أميركية جديدة، لمواجهة الطموحات العسكرية الروسية في منطقة الشرق الأوسط.


شارك الموضوع ...